jeudi 27 mars 2014

علو الهمة




خلق الله البشر وجعل لكل منهم همة وإرادة فلا يخلو إنسان عن هم؛ ولذلك كان أصدق اسم يوصف به العبد أنه همام ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (... وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام..).
وجهة الصدق أن كل إنسان له إرادة وعنده اهتمام، كما قال المنذري: وإنما كان حارث وهمام أصدق الأسماء لأن الحارث الكاسب، والهمام الذي يهيم مرة بعد أخرى، وكل إنسان لا ينفيك عن هذين والله أعلم.
 ولكن همم الناس تختلف بين علو وسفول وبين كبر وصغر وبين ضخامة ودناءة . وعلى قدر تفاوت الهمم والإرادات تتفاوت مقامات الخلق في الدنيا والآخرة . فأعلاهم همة أبلغهم لما يريد، وأكثرهم تحقيقا لما يطلب.
قيمة المرء على قدر همته
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب). (يريد همته ومطلبه وقصده).

وإنما كان الأمر كذلك لأن الهمة طليعة الأعمال ومقدمتها.. قال أحد الصالحين: (همتك فاحفظها؛ فإن الهمة مقدمة الأشياء؛ فمن صلحت همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من العمل).
وقال عبيد بن زياد : كان لي خال من كلب، فكان يقول لي: يا زياد هم فإن الهمة نصف المروءة.
وعلامة كمال العقل ورجحانه علو همة صاحبه.. يقول ابن الجوزي: (من علامة كمال العقل علو الهمة، والراضي بالدون دنيء ولم أر في عيوب الناس عيبا .. .. كنقص القادرين على التمام)
ومعنى علو الهمة:
(استصغار ما دون النهاية من معالى الأمور).. بمعنى أن يطلب المرء من كل أمر أعلاه وأقصاه، ويستصغر كل ما وصل إليه إن كان هناك ما هو فوقه أو أعلى منه.

وقيل: (هو خروج النفس إلى غاية الكمال الممكن في العلم والعمل).
وقد فسر ابن الجوزي ذلك في صيد خاطره بقوله: (ينبغي لمن له أنفة أن يأنف التقصير الممكن دفعه عن النفس، فلو كانت النبوة - مثلا - تأتي بالكسب لم يجز له أن يرضى بالولاية، أو تصور أن يكون خليفة لم يقنع بإمارة، ولو صح أن يكون ملَكا لم يرض أن يكون بشرا، والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن في العلم والعمل).
وأعلى الهمم على الإطلاق هي التي لا تقف دون الله تعالى، ولا تطلب سواه، ولا تسعى إلا لرضاه، ولا ترضى بغيره بدلا منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به بشيء من أعراض الدنيا وحظوظها ولا حطامها الخسيس الفاني. كيف والله أعلى مطلوب وأفضل مرغوب.
سقوط الهمة أصل الخذلان
إن سقوط الهمم وخساستها هو أصل ما وصلنا إليه من ذل وهوان وحقارة وخذلان، وما من أمة يرضى أهلها بالأمر الواقع ولا تبلغ همم أبنائها أن يغيروه إلا كان لهم الخزي والعار والذلة والصغار.

إن الهمم الكبار تغير التاريخ بل هي التي تسطره وتكتبه:
لقد رأينا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم.. رجل واحد في وسط عالم كامل من الشرك كيف عبّده بهمته لله رب العالمين؟.

ولقد رأينا أصحاب رسول الله رضي الله عنهم كيف أسقطوا أكبر إمبراطوريتين وأعظم دوليتين في زمنهم (فارس والروم) وفتحوا بلاد السند والهند والمغرب والأندلس في فترة وجيزة هي كالحلم في عمر الزمان.
ولقد رأينا في زمان العز وعلو الهمم كيف كان المسلم في عهد صلاح الدين يربط عشرات الأسرى في طنب خيمة.. ولقد باع مسلم أسيرا نصرانيا بنعل فلما سألوه لماذا؟ قال: أردت أن يخلد التاريخ هوانهم وذلهم وأن رجلا منهم بيع بنعل، فخلدها له التاريخ.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

مواضيع في المعلوميات

فقه الدعوة

أخبار كرة القدم